باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن
والإحرام في الصلاة أن تقول: الله أكبر ، لا يجزئ غير هذه الكلمة ، وترفع يديك حذو منكبيك أو دون ذلك ثم تقرأ ، فإن كنت في الصبح قرأت جهرا بأم القرآن لا تستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم في أم القرآن ولا في السورة التي بعدها ، فإذا قلت: ولا الضالين ، فقل: آمين إن كنت وحدك أو خلف إمام وتخفيها ، ولا يقولها الإمام فيما جهر فيه ، ويقولها فيما أسر فيه ، وفي قوله إياها في الجهر اختلاف ، ثم تقرأ سورة من طوال المفصل ، وإن كانت أطول من ذلك فحسن بقدر التغليس وتجهر بقراءتها ، فإذا تمت السورة كبرت في انحطاطك للركوع فتمكن يديك من ركبتيك وتسوي ظهرك مستويا ولا ترفع رأسك ولا تطأطئه وتجافي بضبعيك عن جنبيك وتعتقد الخضوع بذلك بركوعك وسجودك ، ولا تدعو في ركوعك وقل إن شئت: سبحان ربي العظيم وبحمده ، وليس في ذلك توقيت قول ولا حد في اللبث ، ثم ترفع رأسك وأنت قائل: سمع الله لمن حمده ، ثم تقول: اللهم ربنا ولك الحمد ، إن كنت وحدك ، ولا يقولها الإمام ، ولا يقول المأموم سمع الله لمن حمده ، ويقول: اللهم ربنا ولك الحمد ، وتستوي قائما مطمئنا مترسلا ثم تهوي ساجدا لا تجلس ، ثم تسجد وتكبر في انحطاطك للسجود فتمكن جبهتك وأنفك من الأرض وتباشر بكفيك الأرض باسطا يديك مستويتين إلى القبلة تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك ، وكل ذلك أنك لا تفترش ذراعيك في الأرض ، ولا تضم عضديك إلى جنبيك ولكن تجنح بهما تجنيحا وسطا ، وتكون رجلاك في سجودك قائمتين وبطون إبهاميهما إلى الأرض ، وتقول إن شئت في سجودك: سبحانك ربي ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفر لي ، أو غير ذلك إن شئت ، وتدعو في السجود إن شئت ، وليس لطول ذلك وقت وأقله أن تطمئن مفاصلك متمكنا ، ثم ترفع رأسك بالتكبير فتجلس فتثني رجلك اليسرى في جلوسك بين السجدتين ، وتنصب اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض ، وترفع يديك عن الأرض على ركبتيك ثم تسجد الثانية كما فعلت أولا ، ثم تقوم من الأرض كما أنت معتمدا على يديك لا ترجع جالسا لتقوم من جلوس ولكن كما ذكرت لك وتكبر في حال قيامك ، ثم تقرأ كما قرأت في الأولى أو دون ذلك ، وتفعل مثل ذلك سواء غير أنك تقنت بعد الركوع وإن شئت قنتّ قبل الركوع بعد تمام القراءة.
والقنوت: (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ، ونؤمن بك ونتوكل عليك ، ونخنع لك ، ونخلع ونترك من يكفرك ، اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد ، إن عذابك بالكافرين ملحق).
ثم تفعل في السجود والجلوس كما تقدم من الوصف ، فإذا جلست بعد السجدتين نصبت رجلك اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض وثنيت اليسرى ، وأفضيت بأليتك إلى الأرض ولا تقعد على رجلك اليسرى ، وإن شئت حنيت اليمنى في انتصابها فجعلت جنب بهمها إلى الأرض فواسع ، ثم تتشهد.
والتشهد: (التحيات لله ، الزاكيات لله ، الطيبات الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) ، فإن سلمت بعد هذا أجزأك.
ومما تزيده إن شئت: (وأشهد أن الذي جاء به محمد حق ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد ، وبارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، اللهم صل على ملائكتك المقربين ، وعلى أنبيائك المرسلين ، وعلى أهل طاعتك أجمعين ، اللهم اغفر لي ولوالدي ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزما ، اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه محمد نبيك ، وأعوذ بك من كل شر استعاذك منه محمد نبيك ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة القبر ، ومن فتنة المسيح الدجال ، ومن عذاب النار وسوء المصير ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ، ثم تقول: (السلام عليكم) تسليمة واحدة عن يمينك تقصد بها قبالة وجهك وتتيامن برأسك قليلا ، هكذا يفعل الإمام والرجل وحده ، وأما المأموم فيسلم واحدة يتيامن بها قليلا ويرد أخرى على الإمام قبالته يشير بها إليه ، ويرد على من كان سلم عليه على يساره ، فإن لم يكن سلم عليه أحد لم يرد على يساره شيئا.
ويجعل يديه في تشهده على فخذيه ، ويقبض أصابع يده اليمنى ويبسط السبابة يشير بها ، وقد نصب حرفها إلى وجهه ، واختلف في تحريكها ، فقيل يعتقد بالإشارة بها أن الله إله واحد ، ويتأول من يحركها أنها مقمعة للشيطان وأحسب تأويل ذلك أن يذكر بذلك من أمر الصلاة ما يمنعه إن شاء الله عن السهو فيها والشغل عنها ، ويبسط يده اليسرى على فخذه الأيسر ولا يحركها ولا يشير بها.
ويستحب الذكر بإثر الصلوات يسبح الله ثلاثا وثلاثين ، ويحمد الله ثلاثا وثلاثين ، ويكبر الله ثلاثا وثلاثين ، ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، ويستحب بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها وليس بواجب.
ويركع ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح بعد الفجر يقرأ في كل ركعة بأم القرآن يسرها ، والقراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من الطوال أو دون ذلك قليلا ولا يجهر فيها بشيء من القراءة ويقرأ في الأولى والثانية في كل ركعة بأم القرآن وسورة سرا وفي الأخيرتين بأم القرآن وحدها سرا ، ويتشهد في الجلسة الأولى إلى قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يقوم فلا يكبر حتى يستوي قائما ، هكذا يفعل الإمام والرجل وحده وأما المأموم فبعد أن يكبر الإمام يقوم المأموم أيضا فإذا استوى قائما كبر ويفعل في بقية الصلاة من صفة الركوع والسجود والجلوس نحو ما تقدم ذكره في الصبح ، ويتنفل بعدها.
ويستحب له أن يتنفل بأربع ركعات يسلم من كل ركعتين ويستحب له مثل ذلك قبل صلاة العصر ، ويفعل في العصر كما وصفنا في الظهر سواء إلا أنه يقرأ في الركعتين الأوليين مع أم القرآن بالقصار من السور مثل والضحى وإنا أنزلناه ونحوهما.
وأما المغرب فيجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين منها ، ويقرأ في كل ركعة منهما بأم القرآن وسورة من السور القصار وفي الثالثة بأم القرآن فقط ويتشهد ويسلم ، ويستحب أن يتنفل بعدها بركعتين وما زاد فهو خير ، وإن تنفل بست ركعات فحسن ، والتنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه ذلك من تقدم ذكره في غيرها.
وأما العشاء الأخيرة وهي العتمة واسم العشاء أخص بها وأولى ، فيجهر في الأوليين بأم القرآن وسورة في كل ركعة وقراءتها أطول قليلا من قراءة العصر وفي الأخيرتين بأم القرآن في كل ركعة سرا ثم يفعل في سائرها كما تقدم من الوصف ، ويكره النوم قبلها والحديث بعدها لغير ضرورة.
والقراءة التي يسر بها في الصلاة كلها هي بتحريك اللسان بالتكلم بالقرآن ، وأما الجهر فأن يسمع نفسه ومن يليه إن كان وحده ، والمرأة دون الرجل في الجهر وهي في هيأة الصلاة أنها تنضم ولا تفرج فخذيها ولا عضديها وتكون منضمة منزوية في جلوسها وسجودها وأمرها كله ، ثم يصلي الشفع والوتر جهرا ، وكذلك يستحب في نوافل الليل الإجهار وفي نوافل النهار الإسرار ، وإن الرجعة في النهار في تنفله فذلك واسع ، وأقل الشفع ركعتان ويستحب أن يقرأ في الأولى بأم القرآن وسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بأم القرآن وقل يا أيها الكافرون ويتشهد ويسلم ثم يصلي الوتر ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين وإن زاد من الأشفاع جعل آخر ذلك الوتر.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل اثنتي عشرة ركعة ، ثم يوتر بواحدة وقيل عشر ركعات ثم يوتر بواحدة ، وأفضل الليل آخره في القيام فمن أخّر تنفله ووتره إلى آخره فذلك أفضل إلا من الغالب عليه أن لا ينتبه فليقدم وتره مع ما يريد من النوافل أول الليل ، ثم إن شاء إذا استيقظ في آخره تنفل ما شاء منها مثنى مثنى ، ولا يعيد الوتر ومن غلبته عيناه عن حزبه فله أن يصليه ما بينه وبين طلوع الفجر وأول الإسفار ثم يوتر ويصلي الصبح ، ولا يقضي الوتر من ذكره بعد أن صلى الصبح.
ومن دخل المسجد على وضوء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين إن كان وقت يجوز فيه الركوع ، ومن دخل المسجد الفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر وإن ركع الفجر في بيته ثم أتى المسجد فاختلف فيه وقيل: يركع ، ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر إلى طلوع الشمس.
باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم
ويؤم الناس أفضلهم وأفقههم ، ولا تؤم المرأة في فريضة ولا نافلة لا رجالا ولا نساء ، ويقرأ المأموم مع الإمام فيما يسر فيه ، ولا يُقرأ معه فيما يجهر فيه ، ومن أدرك ركعة فأكثر فقد أدرك الجماعة فليقض بعد سلام الإمام ما فاته على نحو ما فعل الإمام في القراءة ، وأما في القيام والجلوس ففعله كفعل الباني المصلي وحده.
ومن صلى وحده فله أن يعيد في الجماعة للفضل في ذلك إلا المغرب وحدها ، ومن أدرك ركعة فأكثر من صلاة الجماعة فلا يعيدها في جماعة ومن لم يدرك إلا التشهد أو السجود فله أن يعيد في جماعة.
والرجل الواحد مع الإمام يقوم عن يمينه ، ويقوم الرجلان فأكثر خلفه ، فإن كانت امرأة معهما قامت خلفهما ، وإن كان معهما رجل صلى عن يمين الإمام والمرأة خلفهما ، ومن صلى بزوجته قامت خلفه ، والصبي إن صلى مع رجل واحد خلف الإمام قاما خلفه إن كان الصبي يعقل لا يذهب ويدع من يقف معه.
والإمام الراتب إن صلى وحده قام مقام الجماعة ، ويكره في كل مسجد له إمام راتب أن تجمع فيه الصلاة مرتين ، ومن صلى صلاة فلا يؤم فيها أحدا ، وإذا سها الإمام وسجد لسهوه فليتبعه من لم يسه معه ممن خلفه ، ولا يرفع أحد رأسه قبل الإمام ولا يفعل إلا بعد فعله ، ويفتتح بعده ويقوم من اثنتين بعد قيامه ويسلم بعد سلامه وما سوى ذلك فواسع أن يفعله معه وبعده أحسن ، وكل سهو سهاه المأموم فالإمام يحمله عنه إلا ركعة أو سجدة أو تكبيرة الإحرام أو السلام أو اعتقاد نية الفريضة ، وإذا سلم الإمام فلا يثبت بعد سلامه ولينصرف إلا أن يكون في محله فذلك واسع.
باب جامع في الصلاة
وأقل ما يجزئ المرأة من اللباس في الصلاة الدرع الحصيف السابغ الذي يستر ظهور قدميها وهو القميص والخمار الحصيف ، ويجزئ الرجل في الصلاة ثوب واحد ، ولا يغطي كلاهما أنفه ووجهه في الصلاة ، أو يضم ثيابه أو يكفت شعره.
وكل سهو في الصلاة بزيادة فليسجد له سجدتين بعد السلام يتشهد لهما ويسلم منهما وكل سهو بنقص فليسجد له قبل السلام إذا تم تشهده ثم يتشهد ويسلم وقيل لا يعيد التشهد ، ومن نقص وزاد سجد قبل السلام ومن نسي أن يسجد بعد السلام فليسجد متى ما ذكره وإن طال ذلك وإن كان قبل السلام سجد إن كان قريبا وإن بعد ابتدأ صلاته إلا أن يكون ذلك من نقص شيء خفيف كالسورة مع أم القرآن أو تكبيرتين أو التشهدين وشبه ذلك فلا شيء عليه.
ولا يجزئ سجود السهو لنقص ركعة ولا سجدة ولا لترك القراءة في الصلاة كلها أو في ركعتين منها وكذلك في ترك القراءة في ركعة من الصبح واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غيرها فقيل يجزئ فيه سجود السهو قبل السلام وقيل يلغيها ويأتي بركعة وقيل يسجد قبل السلام ولا يأتي بركعة ويعيد الصلاة احتياطا وهذا أحسن ذلك إن شاء الله تعالى ، ومن سها عن تكبيرة أو عن سمع الله لمن حمده مرة أو القنوت فلا سجود عليه.
ومن انصرف من الصلاة ثم ذكر أنه بقي عليه شيء منها فليرجع إن كان بقرب ذلك فيكبر تكبيرة يحرم بها ثم يصلي ما بقي عليه وإن تباعد ذلك أو خرج من المسجد ابتدأ صلاته وكذلك من نسي السلام ، ومن لم يدر ما صلى أثلاث ركعات أم أربعا بنى على اليقين وصلى ما شك فيه وأتى برابعة وسجد بعد سلامه ، ومن تكلم ساهيا سجد بعد السلام ومن لم يدر أسلم أم لم يسلم سلم ولا سجود عليه ، ومن استنكحه الشك في السهو فليله عنه ولا إصلاح عليه ، ولكن عليه أن يسجد بعد السلام وهو الذي يكثر ذلك منه يشك كثيرا أن يكون سها زاد أو نقص ولا يوقن فليسجد بعد السلام فقط ، وإذا أيقن بالسهو سجد بعد إصلاح صلاته فإن كثر ذلك منه فهو يعتريه كثيرا أصلح صلاته ولم يسجد لسهوه ، ومن قام من اثنتين رجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه فإذا فارقها تمادى ولم يرجع وسجد قبل السلام.
ومن ذكر صلاة صلاها متى ما ذكرها على نحو ما فاتته ثم أعاد ما كان في وقته مما صلى بعدها ، ومن عليه صلوات كثيرة صلاها في كل وقت من ليل أو نهار وعند طلوع الشمس وعند غروبها وكيفما تيسر له ، وإن كانت يسيرة أقل من صلاة يوم وليلة بدأ بهن ، وإن فات وقت ما هو في وقته وإن الغرماء بدأ بما يخاف فوات وقته.
ومن ذكر صلاة في صلاة فسدت هذه عليه ، ومن ضحك في الصلاة أعادها ولم يعد الوضوء ، وإن كان مع إمام تمادى وأعاد ، ولا شيء عليه في التبسم ، والنفخ في الصلاة كالكلام والعامد لذلك مفسد لصلاته.
ومن أخطأ القبلة أعاد في الوقت ، وكذلك من صلى بثوب نجس أو على مكان نجس ، وكذلك من توضأ بماء نجس مختلف في نجاسته وأما من توضأ بماء قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه أعاد صلاته أبدا ووضوءه.
ورخص في الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر وكذلك في طين وظلمة يؤذن للمغرب أول الوقت خارج المسجد ثم يؤخر قليلا في قول مالك ثم يقيم في داخل المسجد ويصليها ثم يؤذن للعشاء في داخل المسجد ويقيم ثم يصليها ثم ينصرفون وعليهم إسفار قبل مغيب الشفق.
والجمع بعرفة بين الظهر والعصر عند الزوال سنة واجبة بأذان وإقامة لكل صلاة وكذلك في جمع المغرب والعشاء بالمزدلفة إذا وصل إليها.
وإذا جد السير بالمسافر فله أن يجمع بين الوقوف في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وكذلك المغرب والعشاء وإذا ارتحل في أول وقت الصلاة الأولى جمع حينئذ وللمريض أن يجمع إذا خاف أن يغلب على عقله عند الزوال وعند الغروب وإن كان الجمع أرفق به لبطن ونحوه جمع وسط وقت الظهر وعند غيبوبة الشفق.
والمغمى عليه لا يقضي ما خرج وقته في إغمائه ويقضي ما أفاق في وقته مما يدرك منه ركعة فأكثر من الصلوات وكذلك الحائض تطهر فإذا بقي من النهار بعد طهرها بغير توان خمس ركعات صلت الظهر والعصر وإن كان الباقي من الليل أربع ركعات صلت المغرب والعشاء وإن كان من النهار أو من الليل أقل من ذلك صلت الصلاة الأخيرة وإن حاضت لهذا التقدير لم تقض ما حاضت في وقته وإن حاضت لأربع ركعات من النهار فأقل إلى ركعة أو لثلاث ركعات من الليل إلى ركعة قضت الصلاة الأولى فقط واختلف في حيضها لأربع ركعات من الليل فقيل مثل ذلك وقيل إنها حاضت في وقتهما فلا تقضيهما.
ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث ابتدأ الوضوء ، ومن ذكر من وضوئه شيئا مما هو فريضة منه فإن كان بالقرب أعاد ذلك وما يليه وإن تطاول ذلك أعاده فقط وإن تعمد ذلك ابتدأ الوضوء إن طال ذلك وإن كان قد صلى في جميع ذلك أعاد صلاته أبدا ووضوءه ، وإن ذكر مثل المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين فإن كان قريبا فعل ذلك ولم يعد ما بعده وإن تطاول فعل ذلك لما يستقبل ولم يعد ما صلى قبل أن يفعل ذلك.
ومن صلى على موضع طاهر من حصير وبموضع آخر منه نجاسة فلا شيء عليه والمريض إذا كان على فراش نجس فلا بأس أن يبسط عليه ثوبا طاهرا عليه وصلاة المريض إن لم يقدر على القيام صلى جالسا إن قدر على التربع وإلا فبقدر طاقته وإن لم يقدر على السجود فليومىء بالركوع والسجود ويكون سجوده أخفض من ركوعه وإن لم يقدر صلى على جنبه الأيمن إيماء وإن لم يقدر إلا على ظهره فعل ذلك ولا يؤخر الصلاة إذا كان في عقله وليصلها بقدر ما يطيق وإن لم يقدر على مس الماء لضرر به أو لأنه لا يجد من يناوله إياه تيمم فإن لم يجد من يناوله ترابا تيمم بالحائط إلى جانبه إن كان طينا أو عليه طين فإن كان عليه جص أو جير فلا يتيمم به.
والمسافر يأخذه الوقت في طين خضخاض لا يجد أين يصلي فلينزل عن فيه قائما يومىء بالسجود أخفض من الركوع فإن لم يقدر أن ينزل فيه صلى على دابته إلى القبلة وللمسافر أن يتنفل على دابته في سفره حيثما توجهت به إن كان سفرا تقصر فيه الصلاة وليوتر على دابته إن شاء ولا يصلي الفريضة وإن كان مريضا إلا وضوء إلا أن يكون إن نزل صلى جالسا إيماء لمرضه فليصل على الدابة بعد أن توقف له ويستقبل بها القبلة.
ومن رعف مع الإمام خرج فغسل الدم ثم بنى ما لم يتكلم أو يمش على نجاسة ولا يبني على ركعة لم تتم بسجدتيها وليلغها ولا ينصرف لدم خفيف وليفتله بأصابعه إلا أن يسيل أو يقطر ولا يبني في قيء ولا حدث ومن رعف بعد سلام الإمام سلم وانصرف وإن رعف قبل سلامه انصرف وغسل الدم ثم رجع فجلس وسلم ، وللراعف أن يبني في منزله إذا يئس أن يدرك بقية صلاة الإمام إلا في الجمع فلا يبني إلا في الجامع ، ويغسل قليل الدم من الثوب ولا تعاد الصلاة إلا من كثيره وقليل كل نجاسة غيره وكثيرها سواء ودم البراغيث ليس عليه غسله إلا أن يتفاحش.
باب في سجود القرآن
وسجود القرآن إحدى عشرة سجدة وهي العزائم ، ليس في المفصل منها شيء ، في المص عند قوله {ويسبحونه وله يسجدون} وهو آخرها ، فمن كان في صلاة فإذا سجدها قام وقرأ من الأنفال أو من غيرها ما تيسر عليه ثم ركع وسجد ، وفي الرعد عند قوله {وظلالهم بالغدو والآصال} ، وفي النحل: {يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} ، وفي بني إسرائيل: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} ، وفي مريم: {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا} وفي الحج أولها: {ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء} ، وفي الفرقان {أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا} ، وفي الهدهد: {الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} ، وفي الم تنزيل: {وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون} ، وفي ص: {فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب} ، وقيل عند قوله: {لزلفى وحسن مآب} ، وفي حم تنزيل: {واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون}.
ولا يسجد السجدة في التلاوة إلا على وضوء ويكبر لها ولا يسلم منها وفي التكبير في الرفع منها سعة وإن كبر فهو أحب إلينا ويسجدها من قرأها في الفريضة والنافلة ، ويسجدها من قرأها بعد الصبح ما لم يسفر وبعد العصر ما لم تصفر الشمس.
باب في صلاة السفر
ومن سافر مسافة أربعة برد وهي ثمانية وأربعون ميلا فعليه أن يقصر الصلاة فيصليها ركعتين إلا المغرب فلا يقصرها ، ولا يقصر حتى يجاوز بيوت المصر وتصير خلفه ليس بين يديه ولا بحذائه منها شيء ، ثم لا يتم حتى يرجع إليها أو يقاربها بأقل من الميل ، وإن نوى المسافر إقامة أربعة أيام بموضع أو ما يصلي فيه عشرين صلاة أتم الصلاة حتى يظعن من مكانه ذلك ، ومن خرج ولم يصل الظهر والعصر وقد بقي من النهار قدر ثلاث ركعات صلاهما سفريتين فإن بقي قدر ما يصلي فيه ركعتين أو ركعة صلى الظهر حضرية والعصر سفرية ولو دخل لخمس ركعات ناسيا لهما صلاهما حضريتين فإن كان بقدر أربع ركعات فأقل إلى ركعة صلى الظهر سفرية والعصر حضرية وإن قدم في ليل وقد بقي للفجر ركعة فأكثر ولم يكن صلى المغرب والعشاء صلى المغرب ثلاثا والعشاء حضرية ، ولو خرج وقد بقي من الليل ركعة فأكثر صلى المغرب ثم صلى العشاء سفرية.
باب في صلاة الجمعة
والسعي إلى الجمعة فريضة وذلك عند جلوس الإمام على المنبر وأخذ المؤذنون في الأذان ، والسنة المتقدمة أن يصعدوا حينئذ على المنار فيؤذنون ، ويحرم حينئذ البيع وكل ما يشغل عن السعي إليها ، وهذا الأذان الثاني أحدثه بنو أمية ، والجمعة تجب بالمصر والجماعة والخطبة فيها واجبة قبل الصلاة ، ويتوكأ الإمام على قوس أو عصا ويجلس في أولها وفي وسطها وتقام الصلاة ثم الإمام ركعتين يجهر فيهما بالقراءة يقرأ في الأولى بالجمعة ونحوها ، وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية ونحوها ، ويجب السعي إليها على من في المصر ومن على ثلاثة أميال منه فأقل ولا تجب على مسافر ولا على أهل منى ولا على عبد ولا امرأة ولا صبي وإن حضرها عبد أو امرأة فليصلها وتكون النساء خلف صفوف الرجال ولا تخرج إليها الشابة وينصت للإمام في خطبته ويستقبله الناس ، والغسل لها واجب والتهجير حسن وليس ذلك في أول النهار وليتطيب لها ويلبس أحسن ثيابه وأحب إلينا أن ينصرف بعد فراغها ولا يتنفل في المسجد وليتنفل إن شاء قبلها ولا يفعل ذلك الإمام وليرق المنبر كما يدخل.
باب في صلاة الخوف
وصلاة الخوف في السفر إذا خافوا العدو أن يتقدم الإمام بطائفة ويدع طائفة مواجهة العدو فيصلي الإمام بطائفة ركعة ثم يثبت قائما ويصلون لأنفسهم ركعة ثم يسلمون فيقفون مكان أصحابهم ثم يأتي أصحابهم فيحرمون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يتشهد ويسلم ثم يقضون الركعة التي فاتتهم وينصرفون هكذا يفعل في صلاة الفرائض كلها إلا المغرب فإنه يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة ، وإن صلى بهم في الحضر لشدة خوف صلى في الظهر والعصر والعشاء بكل طائفة ركعتين ولكل صلاة أذان وإقامة ، وإذا اشتد الخوف عن ذلك صلوا وحدانا بقدر طاقتهم مشاة أو ركبانا ماشين أو ساعين مستقبلي القبلة وغير مستقبليها.
باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى
وصلاة العيدين سنة واجبة يخرج لها الإمام والناس ضحوة بقدر ما إذا وصل حانت الصلاة وليس فيها أذان ولا إقامة ، فيصلي بهم ركعتين يقرأ فيهما جهرا بأم القرآن وسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما ، ويكبر في الأولى سبعا قبل القراءة يعد فيها تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات لا يعد فيها تكبيرة القيام ، وفي كل ركعة سجدتان ، ثم يتشهد ويسلم ، ثم يرقى المنبر ويخطب ويجلس في أول خطبته ووسطها ثم ينصرف ، ويستحب أن يرجع من الطريق التي أتى منها والناس كذلك ، وإن كان في الأضحى خرج بأضحيته إلى المصلى فذبحها أو نحرها ليعلم ذلك الناس فيذبحون بعده ، وليذكر الله في خروجه من بيته في الفطر والأضحى جهرا حتى يأتي المصلى الإمام والناس كذلك فإذا دخل الإمام للصلاة قطعوا ذلك ويكبرون بتكبير الإمام في خطبته وينصتون له فيما سوى ذلك ، فإن كانت أيام النحر فليكبر الناس دبر الصلوات من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الرابع منه وهو آخر أيام منى يكبر إذا صلى الصبح ثم يقطع ، والتكبير دبر الصلوات: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر" ، وإن جمع مع التكبير تهليلا وتحميدا فحسن يقول إن شاء ذلك: "الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد" ، وقد روي عن مالك هذا والأول والكل واسع.
والأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة ، والأيام المعدودات أيام منى وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، والغسل للعيدين حسن وليس بلازم ويستحب فيهما الطيب والحسن من الثياب.
باب في صلاة الخسوف
وصلاة الخسوف سنة واجبة ، إذا خسفت الشمس خرج الإمام إلى المسجد فافتتح الصلاة بالناس بغير أذان ولا إقامة ، ثم قرأ قراءة طويلة سرا بنحو سورة البقرة ، ثم يركع ركوعا طويلا نحو ذلك ، ثم يرفع رأسه يقول: "سمع الله لمن حمده" ، ثم يقرأ دون قراءته الأولى ، ثم يركع نحو قراءته الثانية ، ثم يرفع رأسه يقول: "سمع الله لمن حمده" ، ثم يسجد سجدتين تامتين ، ثم يقوم فيقرأ دون قراءته التي تلي ذلك ، ثم يركع نحو قراءته ، ثم يرفع كما ذكرنا ، ثم يقرأ دون قراءته هذه ، ثم يركع نحو ذلك ثم يرفع رأسه كما ذكرنا ، ثم يسجد كما ذكرنا ، ثم يتشهد ويسلم ، ولمن شاء أن يصلي في بيته مثل ذلك أن يفعل ، وليس في صلاة خسوف القمر جماعة وليصل الناس عند ذلك أفذاذا ، والقراءة فيها جهرا كسائر ركوع النوافل ، وليس في إثر صلاة خسوف الشمس خطبة مرتبة ولا بأس أن يعظ الناس ويذكرهم.
باب في صلاة الاستسقاء
وصلاة الاستسقاء سنة تقام ، يخرج لها الإمام كما يخرج للعيدين ضحوة ، فيصلي بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة ، يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ، وفي كل ركعة سجدتان وركعة واحدة ويتشهد ويسلم ، ثم يستقبل الناس بوجهه فيجلس جلسة ، فإذا اطمأن الناس قام متوكئا على قوس أو عصا فخطب ثم جلس ثم قام فخطب ، فإذا فرغ استقبل القبلة فحول رداءه يجعل ما على منكبه الأيمن على الأيسر وما على الأيسر على الأيمن ، ولا يقلب ذلك ، وليفعل الناس مثله وهو قائم وهم قعود ، ثم يدعو كذلك ثم ينصرف وينصرفون ، ولا يكبر فيها ولا في الخسوف غير تكبيرة الإحرام والخفض والرفع ولا أذان فيها ولا إقامة.
باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه
ويستحب استقبال القبلة بالمحتضر وإغماضه إذا قضى ، ويلقن لا إله إلا الله عند الموت ، وإن قدر على أن يكون طاهرا وما عليه طاهر فهو أحسن ويستحب أن لا يقربه حائض ولا جنب وأرخص بعض العلماء في القراءة عند رأسه بسورة يس ، ولم يكن ذلك عند مالك أمرا معمولا به ، ولا بأس بالبكاء بالدموع حينئذ وحسن التعزي والتصبر أجمل لمن استطاع ، وينهى عن الصراخ والنياحة.
وليس في غسل الميت حد ولكن ينقى ويغسل وترا بماء وسدر ويجعل في الأخيرة كافور وتستر عورته ولا تقلم أظفاره ولا يحلق شعره ويعصر بطنه عصرا رفيقا وإن وضئ وضوء الصلاة فحسن وليس بواجب ، ويقلب لجنبه في الغسل ، أحسن وإن أجلس فذلك واسع.
ولا بأس بغسل أحد الزوجين صاحبه من غير ضرورة ، والمرأة تموت في السفر لا نساء معها ولا محرم من الرجال فلييمم رجل وجهها وكفيها ، ولو كان الميت رجلا يمم النساء وجهه ويديه إلى المرفقين إن لم يكن معهن رجل يغسله ولا امرأة من محارمه فإن كانت امرأة من محارمه غسلته وسترت عورته ، وإن كان مع الميتة ذو محرم غسلها من فوق ثوب يستر جميع جسدها ، ويستحب أن يكفن الميت في وتر ثلاثة أثواب أو خمسة أو سبعة وما جعل له من وزرة وقميص وعمامة فذلك محسوب في عدد الأثواب الوتر ، وقد كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب وعثمان سحولية أدرج فيها إدراجا صلى الله عليه وسلم ، ولا بأس أن يقمص الميت ويعمم وينبغي أن يحنط ويجعل الحنوط بين أكفانه وفي جسده ومواضع السجود منه.
ولا يغسل الشهيد في المعترك ولا يصلى عليه ويدفن بثيابه ، ويصلى على قاتل نفسه ويصلى على من قتله الإمام في حد أو قود ، ولا يصلي عليه الإمام ، ولا يتبع الميت بمجمر ، والمشي أمام الجنازة أفضل ويجعل الميت في قبره على شقه الأيمن ، وينصب عليه اللبن ويقول حينئذ: (اللهم إن صاحبنا قد نزل بك وخلف الدنيا وراء ظهره وافتقر إلى ما عندك اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم) ، ويكره البناء على القبور وتجصيصها ، ولا يغسل المسلم أباه الكافر ولا يدخله قبره إلا أن يخاف أن يضيع فليواره.
واللحد أحب إلى أهل العلم من الشق وهو أن يحفر للميت تحت الجرف قبلة القبر وذلك إذا كانت تربة صلبة لا تتهيل ولا تتقطع وكذلك فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم.
باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت
والتكبير على الجنازة أربع تكبيرات يرفع يديه في أولاهن وإن رفع في كل تكبيرة فلا بأس وإن شاء دعا بعد الأربع ثم يسلم وإن شاء سلم بعد الرابعة مكانه ، ويقف الإمام في الرجل عند وسطه ، وفي المرأة عند منكبيها ، والسلام من الصلاة على الجنائز تسليمة واحدة خفية للإمام والمأموم ، وفي الصلاة على الميت قيراط من الأجر وقيراط في حضور دفنه ، وذلك في التمثيل مثل جبل أحد ثوابا ، ويقال في الدعاء على شيء محدود وذلك كله واسع.
ومن مستحسن ما قيل في ذلك أن يكبر ثم يقول: (الحمد لله الذي أمات وأحيا والحمد لله الذي يحيي الموتى له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والسناء وهو على كل شيء قدير اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه وأنت أعلم بسره وعلانيته جئناك شفعاء له فشفعنا فيه اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له إنك ذو وفاء وذمة اللهم قه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم إنه قد نزل بك وأنت خير منزول به والحاصل إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده) ، تقول هذا بإثر كل تكبيرة وتقول بعد الرابعة: (اللهم اغفر لحينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم متقلبنا ومثوانا ولوالدينا ولمن سبقنا بالإيمان وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام وأسعدنا بلقائك وطيبنا للموت وطيبه لنا واجعل فيه راحتنا ومسرتنا) ثم تسلم.
وإن كانت امرأة قلت: (اللهم إنها أمتك..) ثم تتمادى بذكرها على أنك لا تقول: (وأبدلها زوجا خيرا من زوجها) ،لأنها قد تكون زوجا في الجنة لزوجها في الدنيا ونساء الجنة مقصورات على أزواجهن لا يبغين بهم بدلا ، والرجل قد يكون له زوجات كثيرة في الجنة ولا يكون للمرأة أزواج.
ولا بأس أن تجمع الجنائز في صلاة واحدة ويلي الإمام الرجال إن كان فيهم نساء وإن كانوا رجالا جعل أفضلهم مما يلي الإمام وجعل من دونه النساء والصبيان من وراء ذلك إلى القبلة ، ولا بأس أن يجعلوا صفا واحدا ويقرب إلى الإمام أفضلهم ، وأما دفن الجماعة في قبر واحد فيجعل أفضلهم مما يلي القبلة ، ومن دفن ولم يصل عليه وووري فإنه يصلى على قبره ولا يصلى على من قد صلي عليه.
ويصلى على أكثر الجسد واختلف في الصلاة على مثل اليد والرجل
باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله
تثني على الله تبارك وتعالى وتصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم تقول: (اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه اللهم فاجعله لوالديه سلفا وذخرا وفرطا وأجرا وثقل به موازينهم وأعظم به أجورهم ولا تحرمنا وإياهم أجره ولا تفتنا وإياهم بعده اللهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين في كفالة إبراهيم وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وعافه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم) ، تقول ذلك في كل تكبيرة وتقول بعد الرابعة: (اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ولمن سبقنا بالإيمان اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات) ثم تسلم.
ولا يصلى على من لم يستهل صارخا ولا يرث ولا يورث ويكره أن يدفن السقط في الدور ، ولا بأس أن يغسل النساء الصبي الصغير ابن ست سنين أو سبع ولا يغسل الرجال الصبية واختلف فيها إن كانت لم تبلغ أن تشتهى والأول أحب إلينا.
باب في الصيام
وصوم شهر رمضان فريضة يصام لرؤية الهلال ويفطر لرؤيته كان ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما فإن غم الهلال فيعد ثلاثين يوما من غرة الشهر الذي قبله ثم يصام وكذلك في الفطر ، ويبيت الصيام في أوله وليس عليه البيات في بقيته ويتم الصيام إلى الليل ، ومن السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور وإن شك في الفجر فلا يأكل ولا يصام يوم الشك ليحتاط به من رمضان ومن صامه كذلك وإن وافقه من رمضان ولمن شاء صومه تطوعا أن يفعل ، ومن أصبح فلم يأكل ولم يشرب ثم تبين له أن ذلك اليوم من رمضان وليمسك عن الأكل في بقيته ويقضيه.
وإذا قدم المسافر مفطرا أو طهرت الحائض نهارا فلهما الأكل في بقية يومهما ، ومن أفطر في تطوعه عامدا أو سافر فيه فأفطر لسفره فعليه القضاء وإن أفطر ساهيا فلا قضاء عليه بخلاف الفريضة ، ولا بأس بالسواك للصائم في جميع نهاره ولا تكره له الحجامة إلا خيفة التغرير ومن ذرعه القيء في رمضان فلا قضاء عليه وإن استقاء فقاء فعليه القضاء ، وإذا خافت الحامل على ما أفطرت ولم تطعم وقد قيل تطعم ، وللمرضع إن خافت على ولدها ولم تجد من تستأجر له أو لم يقبل غيرها أن تفطر وتطعم ، ويستحب للشيخ الكبير إذا أفطر أن يطعم والإطعام في هذا كله مد عن كل يوم يقضيه ، وكذلك يطعم من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر ولا صيام حتى يحتلم الغلام وتحيض الجارية وبالبلوغ لزمتهم أعمال الأبدان فريضة قال الله سبحانه {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا} ، ومن أصبح جنبا ولم يتطهر أو امرأة حائض طهرت قبل الفجر فلم يغتسلا إلا بعد الفجر أجزأهما صوم ذلك اليوم.
ولا يجوز صيام يوم الفطر ولا يوم النحر ولا يصوم اليومين اللذين بعد يوم النحر إلا المتمتع الذي لا يجد هديا واليوم الرابع لا يصومه متطوع ويصومه من نذره أو من كان في صيام متتابع قبل ذلك.
ومن أفطر في نهار رمضان ناسيا فعليه القضاء فقط وكذلك من أفطر فيه لضرورة من مرض ، ومن سافر سفرا تقصر فيه الصلاة فله أن يفطر وإن لم تنله ضرورة وعليه القضاء والصوم أحب إلينا ، ومن سافر أقل من أربعة برد فظن أن الفطر مباح له فأفطر فلا كفارة عليه وعليه القضاء وكل من أفطر متأولا فلا كفارة عليه وإنما الكفارة على من أفطر متعمدا بأكل أو شرب أو جماع مع القضاء والكفارة في ذلك سنان ستين مسكينا لكل مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فذلك أحب إلينا ، وله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين ، وليس على من أفطر في قضاء رمضان متعمدا كفارة ومن أغمي عليه ليلا فأفاق بعد طلوع الفجر فعليه قضاء الصوم ولا يقضي من الصلوات إلا ما أفاق في وقته.
وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه ويعظم من شهر رمضان ما عظم الله سبحانه ولا يقرب الصائم النساء بوطء ولا مباشرة ولا قبلة للذة في نهار رمضان ولا يحرم ذلك عليه في ليله ، ولا بأس أن يصبح جنبا من الوطء ومن التذ في نهار رمضان بمباشرة أو قبلة فأمذى لذلك فعليه القضاء وإن تعمد ذلك حتى أمنى فعليه الكفارة.
ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وإن قمت فيه بما تيسر فذلك مرجو فضله وتكفير الذنوب به والقيام فيه في مساجد الجماعات بإمام ومن شاء قام في بيته وهو أحسن لمن قويت نيته وحده وكان السلف الصالح يقومون فيه في المساجد بعشرين ركعة ثم يوترون بثلاث ويفصلون بين الشفع والوتر بسلام ثم صلوا بعد ذلك ستا وثلاثين الشفع والوتر وكل ذلك واسع ويسلم من كل ركعتين ، وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على اثنتي عشرة ركعة بعدها الوتر).
باب في الاعتكاف
والاعتكاف من نوافل الخير والعكوف الملازمة ، ولا اعتكاف إلا بصيام ولا يكون إلا متتابعا ولا يكون إلا في المساجد كما قال الله سبحانه: {وأنتم عاكفون في المساجد} ، فإن كان بلد فيه الجمعة فلا يكون إلا في الجامع إلا أن ينذر أياما لا تأخذه فيها الجمعة وأقل ما هو أحب إلينا من الاعتكاف عشرة أيام.
ومن نذر اعتكاف يوم فأكثر لزمه وإن نذر ليلة لزمه يوم وليلة ، ومن أفطر فيه متعمدا فليبتدىء اعتكافه وكذلك من جامع فيه ليلا أو نهارا ناسيا أو متعمدا وإن مرض خرج إلى بيته فإذا صح بنى على ما تقدم وكذلك إن حاضت المعتكفة وحرمة الاعتكاف عليهما في المرض وعلى الحائض في الحيض فإذا طهرت الحائض أو أفاق المريض في ليل أو نهار رجعا ساعتئذ إلى المسجد ، ولا يخرج المعتكف من معتكفه إلا لحاجة الإنسان وليدخل معتكفه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يبتدىء فيها اعتكافه ولا يعود مريضا ولا يصلي على جنازة ولا يخرج لتجارة ، ولا شرط في الاعتكاف ، ولا بأس أن يكون إمام المسجد ، وله أن يتزوج أو يعقد نكاح غيره ، ومن اعتكف أول الشهر أو وسطه خرج من اعتكافه بعد غروب الشمس من آخره وإن اعتكف بما يتصل فيه اعتكافه بيوم الفطر فليبت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى المصلى.
باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين
وزكاة العين والحرث والماشية فريضة فأما زكاة الحرث فيوم حصاده فتكون والماشية ففي كل حول مرة ولا زكاة من الحب والتمر في أقل من خمسة أوسق وذلك ستة أقفزة وربع قفيز والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربعة أمداد بمده عليه الصلاة والسلام ويجمع القمح والشعير والسلت في الزكاة فإذا اجتمع خمسة أوسق فليزك ذلك وكذلك تجمع أصناف القطنية وكذلك تجمع أصناف التمر وكذلك أصناف الزبيب والأرز والدخن والذرة كل واحد منها صنف لا يضم إلى الآخر في الزكاة وإذا كان في الحائط أصناف من التمر أدى الزكاة عن الجميع من وسطه ، ويزكى الزيتون إذا بلغ حبه خمسة أوسق أخرج من زيته ويخرج من الجلجلان وحب الفجل من زيته فإن باع ذلك أجزأه أن يخرج من ثمنه إن شاء الله.
ولا زكاة في الفواكه والخضر ولا زكاة من الذهب في أقل من عشرين دينارا فإذا بلغت عشرين دينارا ففيها نصف دينار ربع العشر فما زاد فبحساب ذلك وإن قل ، ولا زكاة من الفضة في أقل من مائتي درهم وذلك خمس أواق والأوقية أربعون درهما من وزن سبعة أعني أن السبعة دنانير وزنها عشرة دراهم فإذا بلغت هذه الدراهم مائتي درهم ففيها ربع عشرها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك ، ويجمع الذهب والفضة في الزكاة فمن كان له مائة درهم وعشرة دنانير فليخرج من كل مال ربع عشره.
ولا زكاة في العروض حتى تكون للتجارة ، فإذا بعتها بعد حول فأكثر من يوم أخذت ثمنها أو زكيته ففي ثمنها الزكاة لحول واحد أقامت قبل البيع حولا أو أكثر إلا أن تكون مديرا لا يستقر بيدك عين ولا عرض فإنك تقوم عروضك كل عام وتزكي ذلك مع ما بيدك من العين ، وحول ربح المال حول أصله وكذلك حول نسل الأنعام حول الأمهات.
ومن له مال تجب فيه الزكاة وعليه دين مثله أو ينقصه عن مقدار مال الزكاة فلا زكاة عليه إلا أن يكون عنده مما لا يزكى من عروض مقتناة أو رقيق أو حيوان مقتناة أو عقار أو ربع ما فيه وفاء لدينه فليزك ما بيده من المال فإن لم تف عروضه بدينه حسب بقية دينه فيما بيده فإن بقي بعد ذلك ما فيه الزكاة زكّاه.
ولا يسقط الدين زكاة حب ولا تمر ولا ماشية ، ولا زكاة عليه في دين حتى يقبضه وإن أقام أعواما فإنما يزكيه لعام واحد بعد قبضه وكذلك العرض حتى يبيعه وإن كان الدين أو العرض من ميراث فليستقبل حولا بما يقبض منه ، وعلى الأصاغر الزكاة في أموالهم في العين والحرث والماشية وزكاة الفطر ، ولا زكاة على عبد ولا على من فيه بقية رق في ذلك كله فإذا أعتق فليأتنف حولا من يومئذ بما يملك من ماله ولا زكاة على أحد في عبده وخادمه وفرسه وداره ولا ما يتخذ للقنية من الرباع والعرو